Saturday, August 4, 2012

7


"ما كل ما يتمنى المرء يدركه ... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"

كانت تلك ابيات قالها المتنبي و لكم صدق ، لطالما احببت الشعر و كان للمتنبي عندي مكانة خاصة و لكن الآن و بهذه الابيات أشك ان المتنبي يخاطبني بتلك القصيدة ، أغلقت ديوان المتنبي و قد ابتلت عيني بدموع لم اعد قادره على ذرفها من كان يدري ان تمر هذة سنه و لم تجمعني بجواد الا لمس الأيدي لقد كنا نجهز كل شئ لم يكن ينقصنا الا بلوغ موعد الزفاف ، لقد مرت تلك السنه ببطئ مرير و الامل مع مرور الايام يقل و يزوي حتى ينعدم و لكن ليس املي انا ، لأن ما انا به ليس أمل و لكنه الايمان ، الايمان بان القدر الي جمعني بجواد بهذا الشكل سيعيده الي مرة أخرى ، نعم يا جواد انا مؤمنه بانك ستعود الي و سنعيش الألف عام التي وعدتني بها ، انت لن تخلف وعدك أليس كذلك ، لكم اتمنى ان ارى عينيك الآن و أن اسمع صوتك و انت تؤكد لي اننا سنحيا ألف عام ، جواد تأكد انني لا ألومك و لكن أنت وعدتني و جيب ان تعود الي الان انت وعدتني انني لن احزن بعد الان ، يجب ان تنفذ وعدك يا حبيبي ، نعم انت حبيبي لقد كنت اخجل ان اقولها لك و لكني ها انا اقولها الآن و انت تفوت فرصة سماعاها اينما تكون يا جواد انت تحس بي اليس كذلك ، لن اقتنع بكلامهم انت تحس بي و لذلك انا احدثك و لن اتوقف عن محادثتك حتى أري عينيك التان تشعان ضوء الشمس و هي تنظر الي ، لا لن افقد ايماني بك ، اسمعهم يتهامسون انه قد مرت سنه و ان احتمال عودتك اصحبت ضئيله و لكنهم لا يجرأون على مواجهتي بهذا الحديث ، و لكني مازلت اسمع تلك الهمسات و هي تزيدني ايمانا بك من كان يصدق ان اتزوج الفتى الذي ظن يوما ان يكون أنور وجدي ، ذاك الفتى الذي قابلته صدفة في باخرة نيلية و و بعدها بسبع سنوات جمعنا القدر مره اخرى ، انت زوج روحي و روحينا التي تلاقت في عالم الذر لن تفترق ابد الدهر.
نظرت الى الساعه انها التاسعه صبحا لقد اوشك مصطفى و مروة على القدوم ليس من الجيد ان يروني و انا ابكي فقد يطنون اني فقد ايماني بك فانا لم اذرف دمعه واحده اما احد لأنك هنا معي يا جواد.

كانت صورة جواد و هو على الفراش و كل تلك الاجهزة الكئيبه موصله به تذكرني بأبي عندما كان في المستشفى آخر مره ، لم يكن هذا فقط هو ما يفزعني و لكن لأنه مرت على جواد سنه كامله اليوم و هو في الغيبوبة، هو فقط يبدو كأنه نائم ، مغمض العينين لولا تلك الاجهزة البغيضه الموصله به لحسبته نائما بالفعل ، و لكن جواد ، حبيبي جواد ، زوج روحي جواد تغير في تلك السنه لم اعد ارى عينيه التي اغتنيت بها عن الشمس ، وجهه النضر اصبح شاحبا و على الرغم من ذلك فان لمسة يديه لم تتغير احيانا اغفو و انا ممسكة بيديه واستيقظ و قد شعرت بضغطة يديه على يدي.
اذكر السنة الماضية يوما يوما بل و دقيقة دقيقة ، و اذكر الحادث ، الحادث الذي وضع جواد على هذا السرير في غيبوبة منذ عام.

جففت دموعي و غسلت وجهي ، و جلست انتظر مصطفى و مروة ، فهذا هو اليوم الذي يزوران جواد فيه كل اسبوع ، او كما بت اشعر يزوراني انا فيه ، كانوا يأتون من قبل يقولون لي ان جواد سوف يكون بخير و مع مرور العام قل تأكيدهم لي حتى انعدم تماما. و اصبحت زيارتهم تقتصر على هل انا بخير.

بعد ثلاث طرقات على باب غرفة جواد – او غرفتي انا و جواد حيث انني اصبحت اقيم هنا منذ ما يربو عن ستة اشهر الان-  رأيت مروه فتبعتها بهدوء الى خارج الغرفة، جلست انا ومروة و رويده في كافيتريا المستشفى ، رويده ابنة مروه ، اجمل طفلة يمكن ان تراها او هكذا أراها انا ، اخذت من مروة جمالها و عيونها السوداء الواسعه الجميله و اخذت من مصطفى طباعه المرحة  ، احب ان ارى رويدة كثيرا و ان العب معها ، آخر مرة كنت ازور فيها مروة و مصطفى انا و جواد قال لي اننا اذا رُزقنا ببنت فسوف يسميها بأسمي ، فقلت له مازحة اننا اذا رزقنا بولد فلن استطيع ان اسميه بأسمه ، قال لي انننا سنسميه محمود على اسم والدي ، جواد كان يعرف مقدار حبي لأبي و حينها تأثرت كثيرا ، فأخذ يدي بين يديه و قال لي ان الرجل لا يشترط ان ينجب ذكورا لكي يُخَلّد اسمه، كم افتقد منطقك الجميل الآن يا جواد و كم افتقد صوتك الدافئ و كلماتك لي.

"كيف حالك اليوم" قالتها مروة بطريقة تحاول ان تكون عادية و لكني اعرف انه منذ سنة لم يعد اي شئ عاديا ، "بخير و الحمدلله، كيف حالك انت و كيف مصطفى " ثم وجهت حديثي الى رويده "رويدة حبيبتي لقد كبرتي ،تعالي هنا يا حلوتي" تركت مروة رويده تركض نحوي تلك المسافة الصغيرة التي تبدو للطفلة كألف ميل ، و اكملت مروة "انا لا اريد ان اغضبك تعلمين ، و لكن الا تنظرين لنفسك في المرآه ، متى كانت آخر مرة عدتي فيها الى المنزل ، انا اكاد أق..." ،
 "مروة" قاطعتها و اكملت " انا انظر لنفسي في المرآه و لا ابدو كما تحاولين اخباري" قلت لنفسي ان شحوبي لا يقارن بشحوب جواد على أي حال، كما انني لا اشعر انني احتضر او اي شئ " و انا اذهب الى البيت كل يوم لأطمئن على امي و لكنني ابيت هنا ما الذي تحاولين اثباته" قلتها بعصبيه لا تخلو من اللوم ،
" انا لا اريد اغضابك كما قلت و لكن جواد في غيبوبهه منذ سنة و ..." ،"لا تقوليها يا مروة ليس انتي كذلك" اخبرتها و انا اقاطعها مره اخرى ، " انا آسفه حقا ، و لكني اهتم لأمرك لا تأخذي اهتمامي بمعنى آخر" قالتها مروة و هي تربت على كتفي، كانت نظرات رويده حائرة بيننا لا تفهم شيئا مما نقول و لكنها فقط فهمت انني بحاجه الى عناق ، فعانقتني ، الطفلة ذات السنتين تفهم ما احتاج عانقتها و سمعتها تتمتم بكلمات لم افسرها و لكن كان من ضمنها جواد و بخير و كان هذا يكفيني.
"انا اعلم انك لن تفقدي الامل و انا و مصطفى نتمنى ان يفيق جواد و لكنك لا تساعديه و انتي على هذا الحال أهذا ما يريده جواد ان تذبلي هكذا" قالتها مروة و حملت رويده مره اخرى، نظرت الى الجهة الاخرى و لم استطع ان امنع تلك الدمعه من الانفلات مني ما الذي تحاول مروة اخباري به ان جواد لا يسمعني هذا هراء بكل تأكيد "انا لن افقد الامل انه جواد يا مروة" قلتها من بين تنهداتي.

لم و لن استطيع ان افسر لمروة ما أشعر به بالطبع جواد اينما كان يشعر بي و يسمع صوتي حاولي اخبار يدي بان ما تشعر به باليل ليس ضغطه يد جواد، ظللنا في صمت حتى جاء مصطفى من غرفة جواد و سلم علي ، ثم اخذ مروة و رويدة و رحلوا على وعد بأن يأتوا الاسبوع القادم كانو في الاشهر الاولى يقولون انهم سوف يأتون المره القادمه و سيكون جواد قد افاق  و لكنهم فقط اصبحوا يقولون انهم سيأتوا الاسبوع القادم في نفس الموعد.

عدت الى غرفة جواد ، امسكت يديه و انا اذكر الحادث امسكت القلادة التي اهداني اياها يوم الباخرة بعد ان صعدنا الى سطحها في اليل كنا في شهر فبراير فلم يكن الجو باردا ولا حارا فقط كان جميلا بما تحمله الكلمة من معاني ، جميل و كفى، جميلا كما كانت تلك الليلة، اسعد ليالي حياتي اعطاني جواد اجمل قلادة يمكن ان ارتديها كانت من الذهب بسيطة و لكنها معبرة عنا ، عنا نحن فقط، كانت على شكل مركب بشراعين و قد كتب على ظهر احد الاشرعة اسمي و على الاخر اسمه و قال لي انه لم يكتب تاريخا لأن ارواحنا في عالم الذر ، بعد ان البسني اياها اخذ يدي بين يديه و لثمهما برقة، كنت اشعر انني امشي على مياة النيل في تلك اللحظة خالجني شعور مخيف بان هذا حلم لا يمكن ان يكون الواقع بهذه الروعة و لكني نظرت في عيني جواد و طردت هذا الشعور ، و لكن بعد خمسة اشهر تأكد لي ان الواقع لا يمكن ان يكون هذة الروعة.



تنهدت و ارجعت رأسي للوراء و انا اذكر الحادث الذي وضع جواد في هذا السرير موصلا بتلك الاجهزة الكئيبة و اجبرني ان اشاهد انسان احبه حبا جما مره اخرى في هذا الوضع، عندما احكي الحادث لأي شخص يرى انه حادث عادي لا يمكن ان يضع شخص ما في غيبوبه بالاساس ما بالك بكل تلك المدة.

بالطبع يبدو هذا اليوم مثل الامس بالنسبة الي اذكر كل تفاصيلة لقد كنا سويا ننهي شراء ما ينقص البيت ، بيتنا انا و جواد ، كان موعد الزفاف على بعد شهرين ، فقط شهرين ، قال لي ان هذا التاريخ هو نفس التاريخ الذي تقابلنا فيه منذ عشرون عاما في الباخرة و كنت اقول له انه بالطبع يمزح فانا لااذكر هذا التاريخ و ان كنت اذكر اننا كنا في الصيف، و لكنه برهن لي و جلب الي مفكرة صغيره مكتوب فيها اليوم قابلت اجمل بنت في حياتي و كانت هذه هي مفكرته عندما كان يبلغ من العمر الحادية عشر عاما، احتفظ جواد بتلك المفكرة طيلة هذة السنوات و قال لي انه ظل يحتفظ بجميع مفكراته منذ ذلك الحين فلقد كان اول عهده بالمفكرات منذ ان قابلني، لم نتوقف عن الضحك و نحن نقرأ تلك المفكرات تخيل ان تقرأ مذكرات طفل في الحادية او الثانية عشر. في تلك الفترة اخذني جواد و زورنا بعض اعمامه و عماته و اخواله ، كان جواد قد فقد أبويه في حادث عندما كان في السادسة عشر و لم اشأ ان اثير الموضوع فقط قلت لنفسي انه سيتحدث عندما تحين الفرصة.

على أي حال كنا في السيارة و مررنا على متجر ساعات اردت ان ابتاع ساعة هدية لجواد فقلت له ان يتوقف قليلا و لم نجد مكان لنركن السياره امام المتجر فنزلت انا و تركت جواد يركن السياره على ان يتبعني بعد ذلك ، تأخر جواد و كنت قد ابتعت الساعة و خرجت من المتجر فقط لأرى جواد يسقط مغشيا عليه بعد ان صدمته سياره و هو يعبر للمتجر ، تركت كل شئ من يدي و هرولت اليه لم تكن سوى بضع دقائق غاب فيهم جواد عن الوعي و لكني شعرت انهم بضع قرون ، كان الناس حولنا لم اسمع منهم احدا و لم اسمع السائق الذي ظل يقول انه بالكاد لمسه و عندما افاق جواد تنفس الجميع الصعداء و كاد ان يتوقف قلبي انا و لكن جواد امسك يدي بقوة و كأنه يقول انا بخير و انتِ كذلك، صعدت مع جواد السيارة بعد ان اعطاني احد العملين في متجر الساعات اغراضي التي تركتها، في طريق العوده اقسم لي جواد انه بخير هو فقط يشعر بصداع و لا شئ اخر و عندما اخبرته انه لابد ان يذهب الى المستشفى قال " و ماذا اقول لهم ! ، عندي صداع ، اميرتي انا بخير لا تقلقي" ، عندها اصررت على ان يأتي معي المنزل ليريح قبل ان يعود الى منزله، وافق جواد و عدنا الى منزلي ، بعد ان قصصت على امي ما حدث و اقسم لها جواد انه بخير فقط هذا الصداع قالت انها ستعد له عصير ليمون و ستجد له شيئا للصداع.

حينما ذهبت امي شعرت ان جواد ليس على ما يرام امسكت يديه و وجدتها بارده ، يدا جواد لم تكن باردة ابدا، نظرت اليه ووجدته يتصبب عرقا، "جواد" قلت و انا قلبي يكاد ان يتوقف خوفا، "انابخير، ف..فقط أشعر بالبرد" قالها جواد و هو يبتسم ، لم تكن هذه ابتسامة جواد ، ضممته الي و وضعت رأسه على رجلي ووضعت يدي على جبينه كان باردا مسحت بيدي على رأسه ، تخللت اصابعي شعره البني الجميل، لم ادر ما اقول او افعل ، عادت امي فنظرت اليها و تمتمت لها ان تطلب الاسعاف.

هكذا بدأت انفاس جواد تتباطأ و هو معي ، لم يعد يقوى على ان يبقي عينيه مفتوحتان ، حاولت ان ابقيه متيقظا و لكنه قال لي انه تَعِب و انه فقط سينام قليلا ، و آخر شئ سمعته منه ان قال لي "ليلى انا احبك ، احبك كثيرا" و اغمض عينيه و لم ارهما منذ سنه. ذهبنا الي المستشفى و سمعت الاطباء يذكرون نزيف في المخ و نزيف داخلي و غيبوبه و كلام كثير لم افهمه و لم ارد ان افهمه فقط كنت اريد ان اعرف متى سيعود جواد الي و لكني لم اعرف حتى الان و ان كنت اؤمن انه سيعود. لكم اشتاق اليك يا جواد انا ايضا احبك كثيرا، كثيرا جدا.
انا ليلى محمود العشري عندي 27 عاما قصتي لم تكن قصة اخرى من قصص الحب العذري او قصة عن ماذا فعل بي الحب الاول و ليست حتى قصة اخرى تنتهى ب و عاشوا سعداء الى الأبد تنتهي قصتي هنا و انا امام سرير جواد انتظره ان يفتح عينيه و يقول لي افتقدك يا اميرتي، الان هل انا ارى عينا جواد مفتوحتان....

النـــــــــهـــــــــــايــــــــه.أأأخرأخرى نعم أ

Thursday, June 14, 2012

6


في السابعة صباحا استيقظت على رسالة جواد التي اصبحت تقليدا منذ ما يربو على ثلاثة اشهر الان. ابتسمت لنفسي و رددت عليه برسالة أخرى ، و ما لبثت ان نهضت من سريري متجهة الى المطبخ، كانت أمي لا تزال نائمة فحاولت ان اصنع لنفسي القهوة بهدوء، اضفت على قهوتي الحليب كما هي العادة و ابتسمت و انا اذكر كيف كان ابي يتهكم على لهذا الأمر كان يقول دائما انني اقلدة في كل شيئ و لكنى لم استطع ان اشرب القهوة مثلة، اتجهت الى النتيجة المعلقه على حائط المطبخ انزع الامس لأري اليوم ، 31 يناير كان قد مر على أبي ما يزيد عن الشهرين ، فلقد توفي في ال20 من نوفمبر ، بعد 19 يوما من عقد قراني. تلك التسعة عشر يوما كانوا جميعهم ذكريات سعيدة و رائعة لن تمحى من ذاكرتنا ، كأن أبي كان يحاول جاهداً ان يخلف لنا تلك الذكريات كل لا نبكي و نحن نتذكره بل لنبتسم و نضحك.

حاول أبي جاهداً ان يجعلني أعدة ألا أبكيه، و لكني لم افعل ففكرة أنني لن أراه ثانية لم و لن تكون سهلة أبداً، أحيانا أجد نفسي ابتسم وسط دموعي و انا اذكر مواقفي و ذكرياتي مع ابي ، فابي كان و سوف يظل بطلي بقصصة و رواياته و خبراته التي لم تنتهي الا مع الرمق الاخير، انحدرت مني دمعة برغمي و انا اصب قهوتي و اتجه عقلي الى جواد، جواد حزن على أبي بقدرنا فالتسعة عشر يوما الذين قضاهم مع ابي جعلوه يشعر انه حقا ينتمي معنا و خسارة أبي أثرت به كذلك.

لم اذهب الى العمل لبعض الوقت و اخذت إجازة و لكني لم آثرت العودة منذ أول هذا الشهر ، أخبرني جواد ان هذا هو آخر شهر و ان افتتاح المشروع مقدر له الأول من فبراير ، و كان آخر شهر هذا مرهق للغاية و كأننا نبدأ كل شيئ من جديد، كان جواد يقلني كل يوم الساعة الثامنة و نعود الى منزلي في الخامسة تقريبا ، في بعض الاحيان كان يصعد معي للغداء.


 أحيانا اشعر انني اظلم جواد، لقد انتظرته طويلا ، حقا انا انتظر جواد منذ الثامنه من عمري ، والان ، الان هو معي و لكننا لم نجلس سويا على انفراد بالرغم من قراننا المعقود ، هذة ثلاثة أشهر كاملة و لم نتحدث حتى الآن جلياً عن مستقبلنا او خطواتنا الاتيه، حاولت ان اكلم جواد مره او مرتين و اقول له اني اسفه حقا و لكنى اجفلت عندما لمس يدي و اخبرني انه في الوقت متسع ولا حاجه لأن اضغط على نفسي فهو يقدر كل شيئ و و يعلم ان اللحظة المناسبة سوف تأتي ، انا لا أريد ان ... انطلق موسيقى فالس القصبجي الرائعة انا قلبي دليلي من هاتفي المحمول ، انه جواد يعلمني انه شارف على الوصول ، لم اكن قد ارتديت ملابسي بعد ، فهرولت الى غرفتي ، لا أريد ان يتهمنا جواد نحن النساء بعدم الانضباط في الوقت.

مضت عشرون دقيقة قبل أغادر البيت و ألاقي عيني جواد الذي كان ينتظرني خارج السيارة، ما ان لمحني حتى دخل السيارة، دخلت و انا انظر لعيني جواد تلك العينان البنيتان التان تشعان ضوء الشمس، "جواد لا تبدأ، ثم انني لم أتأخر كل هذا الوقت ، عشر دقائق لن تنهي التاريخ" قلتها مدافعة عن نفسي ، "انا لم اقل شيئ" قالها جواد من بين ضحكاته ، "و لكنك كنت ستقول" ، "حسنا ، لا تتأخري في المرة القادمة ، عشر دقائق كفيلة بصعود امم و هبوط امم" قالها جواد متصنع الجدية ، "أنا لم أتاخر" قلتها بعناد و انا اعقد ذراعي على صدري في حركة طفولية، لم يستطع جواد الا ان ينطلق في ضحكاته، و لكنه أخرج من جيب سترته دعوة ما و وضعها امامي ، "سوف نتعشى سويا الليلة" قالها و هو يدير المحرك، "انتِ لا تمانعين أليس كذلك" ، انا فقط نظرت الى جواد غير مصدقة ، كان العشاء على باخرة ، باخرة نيلية ، "لا امانع على الاطلاق" قلتها من بين انفاسي المأخوذة.

كان آخر يوم عمل في المشروع فقط بعض الرتوش الاخيره ، كان العمل الاكثر على مدراء الاقسام و منهم جواد باعتباره مدير القسم الميكانيكي ، كان كل شئ منتهي تقريبا ، و في حوالى الساعه الثانية كان الجميع مجتمع في مبنى القسم المعماري كما هي عادة الاحتفالات ، كان الجميع سعيد بما حققه المشروع من نجاح ، بالطبع كانت هناك حفلة ستقام بمناسبة انتهاء المشروع و لكني آثرت العودة الى المنزل لم يكن لي مزاج رائق للاحتفالات ، كما ان اخر احتفال لي في هذا المبنى انتهى على غير ما يرام. سلمت على الجميع و شكرتهم و استأذنت في الرحيل ، اخبرت جواد ان يبقى لا داعي لأني يرحل معي و لكنه فقط قال انه سيوصلني لا نقاش في ذلك.
"ألن تصعد معي" قلتها و انا ارى اننا شرفنا على بلوغ المنزل، "لا فلتستعدي للعشاء الليله" قالها جواد و هو يبتسم تلك الابتسامة التى تكاد تودي بعقلي "ما زال الوقت مبكرا يا جواد فلتصعد قليلا" قلتها و انا احاول ان اتجاوز ابتسامة، " لا فلترتاحي ، و انا ايضا اريد ان استعد ، تعلمين" قالها و او نظر الي بتلك الابتسامه مره اخرى، ابتسمت و انا اظبط عويناتي على وجهي لكي افرغ هذا التوتر الذي انتابني، كنا قد و صلنا المنزل فاوقف جواد السيارة.

"سوف امر عليكِ في الثامنة ان شاء الله ، لا تتأخري و لا فاتتنا الباخره" قالها جواد بمرح ، "ماذا أتأخر ، انا ؟ الا تعرفني انا لا أتأخر مطلقا " قلتها بجديه متصنعه، ضحك جواد و ادار المحرك مره اخرى "أراكِ الليه ان شاء الله" ، "ان شاء الله" قلتها و صعدت الى المنزل بعد ان ابتعد جواد بسيارته.

دخلت المنزل حييت أمي التى كانت بغرفتها رايتها و هي تخفي البوم صور العائلة وراء وسادتها و لكني تظاهرت بأني لم أرى شيئ ، كانت أمي تتطلع بالبومات الصور كل يوم تقريبا تحب ان ترى تلك الصور و تستحضر تلك الذكريات مع ابي ، امى كانت اكثر فرد في هذة العائلة متماسك بعد الوفاة لاأدري اهو شئ قاله لها ابي قبل ان يقضى الله امرا كان مفعولا ام ماذا و لكنها اشعرتنا ان ابي فقط سافر او شئ من هذا القبيل ، كانت تؤمن ان هذا الوقت الذي سوف تقضيه بدون ابي لا يعني شيئ كما لم يعن الوقت الذي قضته بدونه قبل ان تلقاه شئ ، هي سوف تلقاه قريبا لا شك في ذلك ، ان الله جعل من كل نفس زوجها ، فان غاب ابي عنها فترة طالت ام قصرت فسوف يلتقون مره اخرى و تلك المره سوف يعودا شباب مره اخرى ، هذا اللقاء سوف يكون افضل من سابقه و سوف يدوم هذة المرة و لن يفترقا مره اخرى.

بعد ان غيرت ملابسي ، دخلت غرفتي لم ادر ماذا سوف ارتدي الليلة ، كنت قد اشتريت اثواب كثيره قبل و بعد عقد القران ، اذا كانت قلة الاثواب مشكله فكثرتها مشكلة اكبر لم اكن اعلم ماذا ارتدي و لم اشأ ان ااخذ رأي امي ، رفعت سماعة الهاتف لأطلب لمياء اختي آخذ رأيها لم يجب احد ، قلت لنفسي ان الاختيار لي ، وقفت امام خزانة الثياب افاضل بين اثوابي الى ان استقريت على هذا الثوب الذي اشتراه لي جواد ، و لكني لم ارتديه حتى الان اخرجته من الخزانه للتجربة كان ثوبا طويلا غير ضيق و غير واسع يجمع بين اللونين الارجواني و الاسود ، الواني المفضله،


 و اجمل ما في الثوب ان جواد هو من انتقاه لي ، لم اخبره ان تلك الالوان هي المفضله عندي و لكنه عرف و انتقى لي هذا الثوب الذي ناسبني تماما لم يعرف كذلك انه ناسبني و لكنه سيعرف قريبا.بعد ان استقريت على الثوب و الحقيبة و الحذاء و كل شئ كان جاهزا اتجهت الى سريري افكر كيف سيكون هذا العشاء انه الاول منذ عقد قراننا اول مره اخرج مع جواد بمفردنا و غفوت و انا افكر في موعدنا.

عندما استيقظت قررت ان ارتدي ملابسي مبكرا كانت ما تزال الساعه السابعه و لكني آثرت ان افعل ذلك لكي لا يأخذني الوقت ، وضعت الثوب و ارتديت حجابي كان لونه ارجوانيا كذلك و ضعت بعض احمر الشفاه الخفيف ، و وضعت عطرا خفيفا كان قد اشتراه لي ابي و كنت احبه كثيرا و اعلم ان جواد يحبه كذلك، ارتديت حذائي الاسود ذي الكعب محاولة مني ان اكون قريبه من طول جواد كنت جاهزه تماما و حينا دق جرس الباب كانت الثامنة الا الربع ذهبت لأفتح و رأيت جواد.

كان اول ما جذب انتباهي بطبيعة الحال عيني جواد التان تشعان ضوء الشمس حتى في المساء ، نظر الي نظره جعلت وجنتي تشتعلان حمرة، كان جواد يرتدي بذلة سوداء و قميص ابيض و رابطة عنق ارجوانية تتماشى مع ثوبي و كان يضع هذا العطر الجميل لطالما كانت رائحة جواد جميلة و لكن تلك الليلة كان يضع عطرا رقيقا جميلا جعلني اشعر للحظة انني احلم ، لا يمكن ان يكون الواقع بهذة الروعة.

للحظات وقف كلانا على باب البيت و لم نتحدث لم اشعر الا بأمي و هي تقترب من الباب و تقول " اهلا جواد تفضل " ابتعدت عن الباب و فتحته امي و تنحت جانبا لكي يدخل جواد ، دخل جواد و سلم على امي التي عرضت عليه ان يجلس و انها ستعد له القهوة و لكنه اخبرها ان يخاف ان يداهمنا الوقت هو فقط صعد كي يلقي عليها التحية ، نظرت لأمي لكي لا تصر فانا حقا لا اريد ان تفوتني الباخره و دعنا امي و هي تتمنى لنا سهرة سعيدة و نزلنا من البيت.

" تبدين رائعة الجمال الليلة، اعني انت رائعة الجمال دوما و لكن الليلة ، انت تعملين ما اقصد" قالها جواد و يفتح لي باب السيارة، " نعم ، نعم اعلم ما تقصد ، فلقد وضعت العدسات اللاصقة" قلتها ضاحكة لكي امتص توتر الموقف ، صعد جواد الى السيارة و وصلنا في المعاد تقريبا كانت الباخره على وشك الانطلاق عندما نزلت من السيارة و توجهنا الى الباخره لم اكن اصدق نفسي حينها بالفعل ان يأخذني جواد للعشاء على متن باخره نيليه شئ و ان تكون هي نفس الباخره التي التقينا بها شئ آخر ، عندما اعطاني جواد الدعوه لم اتذكر اسم الباخره و لكني بالطبع اذكر شكلها لم اكن ادري ان الباخره ما تزال موجوده منذ ما يقرب من عشرين عاما. "جواد ، انت حقا رائع" قلتها من بين انفاسي المبهوره. "اي شيئ لأميرتي" قالها جواد و هو يأخذ ذراعي في ذراعه و صعدنا الى الباخره التي كانت و كأنها تنتظرنا.

عندما جلسنا الى طاولتنا طلبنا اولا عصير برتقال كان الجو هادئ و جميل و كانت طاولتنا بعيده الى حد ما عن باقي الطاولات كانت هناك اغنيه اجنبية تترد في الباخره كلماتها جميله تقول ان كل ما نحن بحاجه الية الان هو الحب و اننا مررنا بالكثير و لننا وصلنا لتلك المره يجب الا نتخلى عن احلامنا كانت الاغنيه تصف شعوري بقدر كبير نحو جواد ، ففكرة انني اظلمه معي الان كانت مسيطره علي و لكن كما تصف الاغنيه انه ليس بعد ان قطعنا تلك المسافة سوف نترك حلمنا ، جواد هو حلمي الذي يتحقق و انا لن اتخلى عنه مهما كان.
"تبدين سعيده" قالها جواد و هو يبتسم و يرشف البرتقال ، "انا سعيده دائما و انا معك " ابتسمنا و ساد الصمت بيننا بعض لحظات و حينما حاولت ان اتكلم سبقني جواد " تعرفين اني أحبك ، أليس كذلك" اومأت برأسي ، فاكمل جواد "اذا فلا داعي ان تقولي انك آسفة ، انت لم تفعلي شيئ ان الحياة لحظات و على المرء ان يعرف اللحظه المناسبة و يغتنمها ، الايام الماضية لم تكن بها اللحظة المناسبة و لكن الليلة مناسبة و هذة اللحظة مناسبة ، انا قضيت عمري انتظر اللحظات المناسبة عندما رأيتك في هذة الباخره منذ ما يقرب من عشرين عاما عندما سمعنا ليلى مراد سويا و تقمصنا الادوار في مخيلاتنا ، بعد ان عدت الى المنزل انا في تلك الليلة كنت اشعر انني سوف أراكِ مره اخرى ن كانت تلك المرة الاخرى بعدها بسبع سنوات و لكني لم انساك عندما رأيتك في ملعب كرة السلة حينها تيقنت انها ليست الصدفه و انما القدر ، و لكن تلك اللحظه لم تكن هي اللحظة المناسبة ، انت سوف تسمعين هذا الكلام لأول مره و لكن عندما اتيت الى مبارة فريق النادي بعدها انا كنت هناك و قد اتيت كي أراك و لكن لم تكن تلك اللحظة مناسبة كذلك و لكن تلك اللحظات و ان كانت غير مناسبة الا انها كانت تؤكد لي ان القدر سوف يتدخل و اننا سوف نتقابل ثانية" نظر لي ان كنت اريد ان اقول شيئا و لكني لم ااستطع الا ان اقول اسخف شيئ في تلك اللحظه " جئت مباراة الفريق ! لماذا لم ارك انا ذهبت الى تلك المباره كي اراك" ضحك جواد كثيرا لردت فعلي " و قال انا صديق مصطفى و لم اكن لأفوت مباراته ثم ان مصطفى صديق عائتك و انا كنت اعرف اخباركم منه و لمعلمواتك ايضا مصطفى اقترح على والدتك ان تدخلي كلية الهندسة " قالها و نظر لي تلك النظره " يا الاهي" فقط قلتها و انا غير مصدقة "شئي آخر لم تكن علياء هي من اقترحت اسمك في المشروع ، مدير القسم المدني كان زميلي و قد اقترحت عليه اسمك  و اخبرته ان علياء كانت زميلتك في الكلية و انك اثبتي جدارة في الدارسة العملية و ليس الاكاديمية فقط" " غير معقول ، كل شيئ !" قلتها و اومأ جواد برأسه.

"أميرتي انا كنت انتظر اللحظة المناسبة ، لم يعني هذا انني كنت سأتركك تذهبين من بين يدي ، و ان كانت الاحداث اختلفت لمانت اختلفت تحركاتي ، حتى و انا في البعثة عندما تزوج مصطفى و مروة لم تنقطع عني اخبارك كنت اعلم كل شئ من مصطفى" قالها ثم اخذ يدي بين كلتا يديه " انت حلمي الذي يتحقق ، انا احبك و اعدك ان احبك في كل الحيوات التي سوف نعيشها ، سوف نبني بيتنا بانفسنا ، سوف ننجب اطفالا ، يعرفون معنى الحب من خلالنا ، سوف نصنع ذكرياتنا السعيده ، اعدك انك لن تحزني بعد الان ، سوف نعيش ألف عام ، اعدك اننا سوف نعيش ألف عام كما عاش ابيك و أمك ألف عام، أنا أحبك و كفى"

افلت يدي من يديّ جواد و امسكت كلتا يديه " و الله لقد قلت ما لن أقدر على قوله و لو حاولت بكل لغات العالم أنا ايضا احبك و كفى أنا احبك يا جواد و أعدك ان نعيش ألف عام ،و انا لن احزن بعد الان أ يوحشني الزمان و انت أنسي و يظلم لي النهار و انت شمسي" قلتها من بين دموعي و انا ابتسم.

لولا لمسة يدي جواد و عطره لما صدقت ان هذا الواقع بتلك الروعة لما صدقت انني لا أحلم ، لن نبني ذكرياتنا يا جواد بل سنكملها ، فأنت ماضيّ و حاضري و مستقلبي 
ي ت ب ع ..... :-)

Thursday, June 7, 2012

5


كنت اركض لا ألوي على شئ ، غريبة تلك الحياة كنت منذ دقائق في قمة السعاده ، بل كنت في مكان اعلى من تلك القمة و لكن صوت أمي في الهاتف ذعرني ، و لعلمي بحالة أبي توقعت الأسوء. و أنا أركض كان جواد يركض خلفي ، و عندما بلغت سيارتي كنت اركض لا ألوي على شئ ، غريبة تلك الحياة كنت منذ دقائق في قمة السعاده ، بل كنت في مكان اعلى توقفت لأبحث عن المفاتيح فلحق بس جواد "لماذا ر تردين علي، مالذي حدث" قالها جواد بلهجة مذعورة ، فأجبته "أنه أبي ،   أبي في المستشفى و حالته خطيرة يجب أن اذهب" كنت اصعد السيارة و جواد يحاول ان يقنعني انني لا يجب ان اقود و انا في تلك الحالة ، عرض على ان يوصلني و عندما رفضت اخبرني انه سوف يكلم علياء لتوصلني و لكني اخبرته و انا ادير المحرك انه لا وقت لذلك ، و بدأت اتحرك بالسيارة في تلك اللحظة اكاد اقسم ان جواد كان قد اختفى من اما ناظري، لم القِ بالا لذلك كنت في عجلة من امري و إنطلقت بالسيارة.

لم أشعر بنفسي إلا و أنا على باب حجرة أبي في العناية المركزة و كل تلك الأجهزة موصلة به حتى إنني لم أر أمي التي كانت جالسة خارج الغرفة. كان أبي وحيداً بالغرفة ليس معه أحد لا الدكتور شريف ولا أحدى الممرضات فقط تلك الأجهزة البغيضة التي تبعث على القلب الكآبة و الخوف.

جاء الدكتور شريف و جلس بجانب أمي فأسرعت إليهم كنت أريد ان اقول كلاماً كثيرا ما الذي حدث لأبي ، و لماذا هو بالعناية المركزة و لماذا لا يوجد أحد معه بالداخل ، كل تلك الأسئلة توقفت في حلقي و كدت اختنق بها عندما رأيت عيني الدكتور شريف. قالت الدكتور شريف بعد برهه " هذة المرة ليست كالأخريات و لن نستطع التدخل جراحيا فقلبة لن يحتمل، انا آسف و لكن .." سكت الدكتور شريف لبضع لحظات و اكمل " كل الدلائل الطبية تشير الى شهر شهرين على الأكثر" انهمرت دموع امي و لكني لم أبكِ سألته "و لكنك طبيبة و تعلم حالته منذ زمن بعيد ألا يوجد أي شيئ اي شيئ نستطيع عمله" فقال "انا آسف حقا انت تعلمين ان الاستاذ محمود عزيز علي بل هو في منزلة أخي الأكبر و لكن تلك هي الحقيقة" و أنصرف الدتور شريف قبل أن تغلبة عواطفة و بقيت أنا و أمي لا أدرِ ما أقول أو أفعل حتى أنني لم أبكِ ، كنت في صدمة لطالما علمت ان هذا اليوم قادم لا محالة فسرطان الكبد لا يُبقي ولا يذر، ولكني كنت أطمر تلك المخاوف و أحاول ان أنساها و ألا افكر بها ، فأبي لطالما أشعرني بأنه قوي لا يقهر و لا يهزم حتى في الأونه الاخيرة عندما بدأ المرض من التمكن منه ، لم اشعر لحظة واحدة بأن هذا المرض سوف يقهره ؛ إنه محمود العشري كيف لمرض مهما كان ان يضعفه.

و بدأت ذكرياتي مع أبي تتدافع كل أحاديثنا و ضحكاتنا و مشداتنا و مناقشاتنا و فجأة توقفت عند الأمس عندما دخلت عليه الغرفة كما العادة و استيقذ عندما احس بي قال لي ان ادخل و البت لكي يكمل نومه و لكنه أخبرني أنه يريد ان يقول لي كل عام و أنا بخير فداعبته قائلة أنني لم أتم الخامسة و العشرين بعد قال لي ان لا احد يضمن عمره فأن يقولها لي الآن أفضل ، طبعت قبلة على رأسة و أخبرته انني عندما اعود من الوقع غدا سوف نشاهد معاً فيلمنا المفضل كما اعتدنا كل عاو و سوف أعد له حساؤة المفضل. أكنت تعلم يا أبي انك لن تستطيع قولها لي اليوم.
كانت أمي في حالة يُرثى لها فطلبت منها أن تعود الى المنزل و أنا سأبقى هنا و عندما أبت صممت بكل ما أوتيت من قوية بل إنني اقتدها الى الخارج و اوقفت لها سيارة اجرى لكي تعود الى المنزل.

 و انا عائدة الى المستشفى لمحت سيارة تشبة سيارة جواد بجانب سيارتي ، و عندما عدت الى طابق العناية المركزةوجدت جواد ينتظر فقلت له بدهشة "ما الذي جاء بك هنا و كيف عرفت  المستشفى" قال و هو ينظر الى الارض " انا آسف و لكني كنت قلق عليكِ فتبعتك بسيارتي أنت لم تري نفسك." سكت و جلست فجلس جواد بجانبي و قال "اذا كيف حال أبيكِ " قلتله "ماذا ترى أبي في العناية المركزة، قال الدكتور ان هذة المرة ليست ككل مرة و ان أبي يحتضر" سكت جواد مليا و لم يدر ما يقول هذا طبيعي في تلك المواقف أعطاني جواد منديل لم ادرِ حتى انني كنت أبكي و لكن دموعي كانت تسيل بلا توقفبرغمي. جلسنا لاأدرِ لكم من الوقت صامتين لعلها ساعتين و ثلاثة كان اليل قد بدأ الحلول و أذن المغرب ، أخبرني جواد أنه سيذهب للصلاة و قلت له انني ذاهبة كذلك ، طلبت منه أن يعود الى منزله و شكرته كثيرا و لكنه أبي و قال سوف نتحدث عندما أعود من الصلاة. لم أكن قاددرة على المناقشة و ذهبت للصلاة بعد ان ذهب جواد بفتره ، و عندما عدت و جدت جواد يتحدث مع الدكتور شريف و قال لي الدكتور شريف أنني لن أفيد أبي و انا هنا لا بد ان أ‘ود الى المنزل و أتي غداً صباحاً و إذا حدث شئ سوف يهاتفني لكني رفضت بشدة و قال الدكتور شريف انه لا فائدة من ذلك و انه لا توجد مؤشرات انه سيفيق في اي وقت قريب. جلست و حاول جواد ان يقنعني بعدم المبيت، و هاتفتني أمي كذلك و اخبرتني ان لمياء في الطريق و أنها فكرت في المبيت و لكن هشام زوجها قرر أن يبيت هو. قلت لجواد أن أختي ي الطريق و أنه لاداعي لأن يتعب نفسة فقال لي أنه غير تعب و أنه سوف يأتي في الغد ليطمأن على أبي و انصرف. عندما جائت لمياء عدت الى المنزل معها بعد ان وعدني هشام انه اذا طرأ أي شئ سوف يهاتفني.

و في المنزل كنت أحس أن كل شئ كئيب ، لم استطه النوم بالطبع و لكني غفوت بعد الفجر ساعة او ما شابه ، و استيقذت و كانت امي متيقذة اخبرتها انني ذاهبة و لتلحق بي و لمياء إن ارادتا، و ذهبت الى المستشفى و انا في الطريق هاتفني هشام و أخبرني أن أبي نقل من العناية المركزة الى غرفة عادية و انه سيفيق في غضون ساعات ، لم أدرِ أهذا الخبر مريح ام لا و لكني ارتحت على أية حال سوف استطيع التحدث مع أبي. عندما وصلت الى المستشفى كانت سيارة جواد لا تزال هناك ، استغربت كيف له ان يأتي قبلي و انا التى وصلت في ساعة مبكرة من الصباح.
دخلت على اية حال و قابلت هشام الذي أخبرني أن أبي استفاق هرولت الى الغرفة التي ذكرها لي هشام و اخبرته ان يعود الى المنزل ليستريح و لم انتظر رده. عندما دخلت على أبي انقبض قلبي ، فأنا لم أر أبي بهذة الهيئة من قبل لقد كان تعب حقا و لم يعد قادر على إخفاء هذا أكثر، دخلت و أحس بي أبي فابتسم لي ابتسامة مرهقة كدت أبكي منها عانقته و طبعت قبلة على جبينه قفال لي " صغيرتي الحبيبة التي اتمت الخامسة و العشرين، آسف لم استطع ان احتفل معكِ كما هي العادة و لكن ... " قاطعته قائلة " نعم لم تستطع و لكني عند وعدي سوف نشاعهد الفيلم و سوف اعد الحساء عندما تخرج من هنا و لن تستطيع ان تتهرب من هذا المره القادمة" قلتها بمرح كي أخفف على أبي و رأيته و هو يحاول الابتسام و لكنه لم يستطع. كان قلبي ينفطر لرؤية أبي هكذا و لكني جاهدت نفسي كي لا أبكي امامه. كنت احس أن أبي يريد ان يخبرني شيئاً و كنت انتظره و بعد بضع دقائق قال لي أبي " لقد استفقت ليلة أمس، تعلمين" قلت بدهشة ان هشام أخبرني انك نقلت في الصباح و أنك لم تفيق الا منذ ساعة، فرد أبي انه هو من أخبر هشام بهذا لكي استريح و قبل أن اثور عليه قال " لقد تحدثت مع جواد كذلك " صدمت للحظه و تدافعت الافكار الى عقلي ؛ الم يعود جواد الى منزله امس و لماذا تحدث مع ابي ، لم ادرِ ما اقول فأكمل أبي " صغيرتي انت تعلمين أنني احس بك أليس كذلك" أومأتُ برأسي فاكلم أبي "لم تخبريني ان جواد معك في المشروع لأنك ترددِ لم تدرِ ماذا ستقولين لي ولا ماذا ستخبريني به عنه ، و لكني اذكر عندما رأيناه في ملعب كرة السلة كيف كانت ردة فعلك ، و كيف كنت تنتظرينه في فرح مروة، جواد قال لي أنه يحبك على حد تعبيرة منذ الأزل، و لقد جائني كي أقراؤه لأنني لم تتسن لي قراءته من قبل و لكنني في يوم الملعب كنت قد عرفته جيداً احسست بروحة الطيبة و رأيته عندما رآكِ و علمت أنه يعرفك و انه عندما رآكِ اكتمل جزئا من روحه و كلنه لم يستطع التقدم بخطوته في تلك اللحظة" كان كلام أبي كأنه يأتيني من كل جانب لم أعد أدرِ ما اقول او افعل عندها فاجأني ابي بقولة "أنت تحبية اليس كذلك" لم أشعر بنفسي و أنا اهز رأسي ، فقال أبي "فلتتزوجوا اذا" قالهاا ابي بإرتياح نظرت إلية غير مستعبة تلك المحادثة قال لي " هو زوج نفسك و انت تعلمين ، و كنتم بإنتظار بعضكم البعض طوال العمر و لقد آن الأوان الآن يا صغيرتي فلتعقدوا القران"

انهمرت الدموع مني برغمي و أنا اقول لأبي "لا استطيع لن استطع ، أنت ، أنت..." قال أبي "نعم احتضر و لكني لن أموت قبل أن أرى صغيرتي تتزوج" إقترب مني و امسك وجهي بكلتا يديه و قال " لن تحرميني من الفرح بك ، إن الموت قادم لا محالة بمرض او بغير مرض و ليقضي الله امرا كان مفعولا، سوف احادث أمك في هذا الموضوع و سوف يكون عقد القران ملئ بالبهجة ، اشعر يا صغيرتي أن الله سيمهلني حتى أفرح بكِ و شعوري دائما في محلة أليس كذلك". امسكت يدي أبي و قبلتهما و قلت له من خلال دموعي "أحبك يا أبي ، أحبك كثيرا" قال لي "أحبك أكثر يا صغيرتي.

و انا امسح دموعي دق الباب و قال أبي "ادخل يا جواد" نظرت الى الباب و اذا بجواد يدلف منه و أبي يقول "لا داعي لفترة الخطوبة فأنتم تعرفون بعض من قبل الخليقة" فرد جواد نعم منذ عالم الذر يا عمي" فقال لي أبي "يناسبك عقد القران الشهر القادم يا صغيرتي ، في الاول من نوفمبر لكي يكون عيد زواجكما..." فأكلمت "في نفس تاريخ عيد زواجك و أمي يا أبي" أبتسم أبي و جواد كذلك و في تلك اللحظة كنت اشعر بالسعادة بحق ، الاول من نوفمبر ، لكم احبك يا أبي. 

.....يتبع

4


عندما قدمني مشرف المشروع الى جواد كان قد مضى على آخر لقاء بيننا قرابة السبع سنوات، كان قد تغير قليلا، اصبحت لديه تلك اللحية المشذبة بعناية و اصبح يضع هذه العوينات المستطيلة التي تتناسب مع وجهة بشكل فائق، بدت ملامحه اكثر نضوجا، لكن عينيه لم تتغير لا يزال بها هذا البريق و كأنها تشع الضوء و لا تعكسه. في تلك اللحظه عرفت ان كل تلك اللقاءات لم تكن محض صدف، و لكنها يد القدر هي التي تجمعنا سويا في كل مرة ايقن أنني لن ارى جواد مره أخرى، في تلك اللحظة تذكرت بيت لقيس بن الملوح مجنون ليلى عندما قال "و قد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا" و قد اصاب قيسٌ هنا.و عندما نظرت الى جواد و تلاقت الأعين شعرت ان كل تلك الأعوام منذ لقاء الباخرة ثمانية عشر عاما لم يفارق احدنا الآخر فتلك الألفة التي شعرت بها و الهدوء الذي رأيته في عينيه جعلوني اشك انه لا يعرف بعضنا الآخر حقا.حياني جواد و قال بأنه يسعده ان يعمل معي في المشروع، عندما قال لنا مشرف المشروع " يجب ان تذهبوا الي منازلكم الآن فمن الغد يبدأ العمل الفعلي، اريدكما ان تبذلا قصارى جهودكما في التنفيذ لأن صاحب المشروع يريد الإنتهاء منه بأسرع ما يكون.بعد ان شكرنا المشرف اتجه كلانا في الإتجاه المعاكس للآخر، استقليت سيارتي و ذهبت عائدة الى المنزل.

عندما وصلت الى المنزل كان أبي في سريره كما هي العادة مؤخرا، دخلت عليه كعادتي لأطمئن عليه و يطمئن علي و عندما رأى وجهي تهلل وجه ابي المرهق و قال " صغيرتي الحبيبة أرى في وجهك الحبور، لقد مر الكثير على آخر مره اراك هكذا فما الجديد"، قلت مدارية ارتباكي " المشروع يا أبي، فرصتي الكبرى التي أخبرتك عنها يراودني شعور متفائل حوله و احس انه سوف يكون بادئة خير علي" نظر الي أبي تلك النظرة التي اعرفها جيدا و كأنه يقول ليس هذا كل شئ انا أعرف وأنت تعرفين، و لكنه قال وفقك الله يا صغيرتي، و فتح لك ابواب السعادة" دخلت امي الغرفة على كلمة صغيرتي فقالت متصنعة العتاب " اصبحت هي صغيرتك و فات زماننا" ضحكت و ضحك أبي و قال لها " لا يفوت زمانك أبدا يا حلوتي فأنتي صغيرتي أنا فقط ابد الدهر" خرجت من الحجرة تاركة امي و قد استقر رأسها على صدر أبي الذي أحاطها بذراعه شاعرة ببهجة حقيقية وكانت السعادة تملأ قلبي و موجات الصفاء تغمر روحي و بعد ان بدلت ثيابي و إنتهيت من جميع الطقوس اليومية قبل النوم بما فيها مكالمتي لأختي لأطمئن عليها و لتطمئن علينا، ذهبت الى سريري سارحة في الغد فمنذ الغد سوف أرى جواد كل يوم و صادفت في الراديو و أنا اقلب في المحطات كعادتي قبل النوم أغنية ام كلثوم أغدا القاك يا خوف فؤادي من غدِ و نمت و ام كلثوم تشدو

 يالشوقي واحتراقي في إنتظار الموعد...
آه كم أخشى غدي هذا وأرجوه اقترابا...
كنت أستدنيه لكن هبته لما أهابا...
 وأهلت فرحة القرب به حين استجابا...
 هكذا أحتمل العمر نعيماً وعذابا...
 مهجة حرة وقلباً مسه الشوق فذابا...
 أغداً ألقاك.......

استيقذت صباحا نشطه و مقبله أكثر من أي يوم آخر حتى ان أمي لاحظت و رمقتني بنظرة فرح لا تصدر منها كثيرا فكانت آخر مرة رأيت فيها تلك النظرة في فرح لمياء أختي و قبل ان اتعرض لإستجواب ذهبت الى موقع المصنع.

عندما وصلت الى الموقع رأيت جوادا و كأنه ينتظرني أخذت نفسا عميقا و ترجلت من السياره و سرت بإتجاهه، نظر الي و بادر بإلقاء التحية و بعد ان ردتت علية قال " انا سعيد بالعمل معك لقد سمعت ان عملك ممتاز و لهذا السبب وصلتي لمشروع كهذا في فترة قصيرة" هززت رأسي بخجل و قلت " انا اسعد لقد سمعت عنك ايضا فأسمك مدوي في مجالنا" ابتسم و شكرني بدوره و سكت قليلا ثم اضاف "انا اذكرك ، لقد تقابلنا" سكت بره اخرى ثم اكمل " في الجامعه عندما نسيتي كتابك في الحافلة" كنت انتوي بيني و بين نفسي انه اذا اثار هذا الموضوع اني سوف اتصنع النسيان و لكني وجدت نفسي اقول " و انا ايضا اذكرك " و عندما ادركت تسرعي اضفت " فلقد كان هذا الكتاب مهما جدا و لقد اكتشفت فقدانه بمجرد وصولي الى الكلية " قلت ذلك على الرغم من انني لم ادرك انني فقدت الكتاب الا وقت جائني جواد به، ابتسم جواد و رأيت في وجهه تلك الابتسامة التي ابتسمها لي عندما اراد ان يكون انور وجدي، تلك التي تنبع من القلب، لطالما اخبرني ابي ان الباغلين غالبا ما يتصنعون الضحك فيضحكون بشفاهم فقط و لكن الضحكات الحقيقية هي التي تظهر في العيون مثل ضحكات الاطفال، و لقد ظهرت ابتسامة جواد في عينيه التان ضاقتا و هو يضحك مبرزتان الخطوط على جانبي عينيه.
 لم يأخذ هذا الحديث سوى بضع دقائق، و بدأ العمال يتوافدون و حضر التقنيين و المنفذين من مختلف اقسام المشروع و بدأنا العمل.كان العمل في هذا المشروع مرهق حقا كان جواد صارما في عمله محددا لإختياراته و احتياجات المشروع حازما في التنفيذ،و لكنه كان مع ذلك غير حاد الطباع يتصف بالذوق و اللين و كان العمال و باقي فريق الميكانيكا يحبونه و يجلونه. كنت اعمل في المشروع بكل طاقتي لأكثر من سبب كان احد تلك الاسباب جواد و كان ما يمثله لي المشروع من فرصة عظيمه اهمها.بعد اربعة اشهر و نصف الشهر كنت في الموقع و قبل الاستراحة بقليل جائني جواد يقول " اعرف ان الاستراحة بعد ثلث ساعه و لكن أاستطيع ان اطلب منك شيئا" تسائلت ما هو فأجاب " اريد ان تحضري لي بعض الرسومات من القسم المعماري اعرف ان احد زميلاتك هناك انا اريد فقط ان اراجع شيئا و اخاف اذا طلبته بشكل رسمي ان يسبب هذا حرج للقسم المعماري" وافقت و أخبرته اني سأفعل فشكرني و انصرف.
و في الإستراحة ذهبت الى مكتب الفرع المعماري ، تعرفون بالطبع ان الفرع المعماري من الافرع التي تتلقى حسدا مضاعفا من باقي الافرع حيث ان المعماريين يجلسون وراء مكاتبهم و مبردات الهواء في رفهم ، اما نحن المدنيون نكون في أرض المعركة ، على أية حال عندما ذهبت طرقت الباب ثلاث مرات و سمعت صوت صديقتي من الداخل يأذن لي و ريثما دخلت أنبهرت بما رأيت.
كان هذا اليوم هو الثامن و العشرون من سبتمبر كان يوم عيد ميلادي و في تلك الغرفة كان الاحتفال لم أدر ما افعل في تلك اللحظة حقا و لكني كنت في قمة السعادة رأسيت معظم العاملين في المشروع، و مشرف المشروع ،و رأيت جواد، كان في اخر الغرفة ينظر الي و كأنه يريد ان يقول شيئا ، و لقد جاء كذلك صاحب المشروع بنفسه و حدثني و شكرنا جميعا على الجهد المبذول في المشروع و عبر عن متنانه لنا. و في خلال الحلفة الصغيرة جائني جواد و هو يحمل طبق حلواه بينما كنت انا اقدم مشروبا غازيا لأحد العمال فتبسم جواد قائلا " حفلتك و انت التي تقدمين المشروبات" فرددت " لأنها حفلتي لابد ان اقدم انا المشروبات"، اكملت بلهجة استنكارية مصطنعه و انا اشير لملابسي " أمعقول ان يكون عيد ميلادي الخامس و العشرون و احتفل به و انا في الموقع فكرة من كانت هذه؟؟ علياء ؟"
رد جواد كأنما لم يسمعني " انا اذكر ؛ اذكر الباخرة و قلبي دليلي ، و اذكر الملعب و تمرين كرة السلة ، و أريد ان أقابل أباكِ حتتي تتسنى له قرائتي ، ما رأيك"في تلك اللحظة احسست ان العالم توقف من حولي كاد قلبي يتوقف من سرعة الخفقان  لم أعد اسمع الضجيج من حولي نظرت اليه و بصوت خافت قالت اتذكر كل ذلك هزز رأسه و قال و لم انسى يوما و في هذة اللحظه دوى هاتفي الخليوي كانت امي تتصل عندما ردتت لم اسمع شيئا واضح و لكني  فقط سمعت " أباك في المستشفى الطبيب يقول ان الحالة خطيرة"هرولت تاركةً الغرفة و جواد من ورائي يناديني.

....... يتبع

3

عندما نزلت من الحافلة كنت اشعر ان شيئا ينقصني ذلك الشعور الذي ينتاب المرء حينما يكون حاملا اشياء كثيرة فيشعر ان شيئا ما مفقود و لكني كنت متأخرة بالفعل عن المحاضرة فنزلت من الحافلة و اتجهت الى الكلية مسرعه ، و بعد ان حضرت المحاضرتين ، بين المحاضرات و انا مع صديقاتي سمعت ذلك الصوت و شعرت ان بين النداء و استجابتي اعوام بل عقود ، نظرت و اذا بها تلك العينان اللاتي اعرفهن جيدا بنيتان كانتا و في ضوء الشمس كانتا كأنهن تشعان ، كانتا عينا جواد نعم جواد ، لم تدم نظراتنا لبعضنا البعض طويلا فلقد خفضنا نظراتنا سريعا ، كان يحدثني و هو ينظر الى الأرض " لقد نسيتي هذا الكتاب في الحافلة و لقد سمحت لنفسي ان افتحه لأرى الاسم عندما تعرفت الكتاب فأنا طالب في قسم الميكانيكا و لكني في ..." و جدت نفسي برغمي اقول "في السنة الأخيرة" و حينها ادركت زلتي و اجفلت فنظر الي جواد نفس النظرة التي لم افسرها من 3 سنوات تلك الدهشة التي لا اعرف ان كانت تعبر عن استغرابه ام تعبر عن معرفته لي.
سكت جواد بضع لحظات بعد ان خفض نظره مره اخر و قال لي و هو يعطيني الكتاب " اذا هذا هو كتابك ،لقد سألت عنكِ و قيل لي اني سأجدك هنا بين المحاضرات، تفضلي" و لم ادرِ ما افعل و لكني فقط قلت له بصوت اقرب الى الهمس " اشكرك" و عندما استدرت الى صديقاتي مره اخرى قالت مروة " يا ربي أهذا هو جواد انه هو اليس كذلك " نظرت لها بدهشة فأنا لم احكِ لأحد عن جواد من قبل ، اكملت مروة " انه في السنة الاخيرة في قسم الميكانيكا الا تعرفيه ان الجميع يتحدث عنه و عن ذكاؤه تعلمين  اني اريد التخصص ميكانيكا فسألت عن القسم و اول ما قيل لي ان ذلك القسم ليس سهلا الا على جواد الراعي" تنهدتُ و قلت لها جواد الراعي اهذا هو اسمه، لا، لا اعرفه فقط كنت قد نسيت الكتاب في الحافلة فأعاده الي" ، " الحافلة نعم نعم لقد سمعت انه متواضع كذلك و غير متفاخر ، اتعلمين انه يصمم مشاريع منذ السنة الثانيه انه عبقري" قالتها مروه بلهجة جاده ، فقلت و انا اريد ان اغير الموضوع" هذا على اساس انك لا تركبين الحافلات يا مروة ، بربك" و  انطلقنا نضحك و انصرفنا الى المحاضرة الأخيرة.

عندما عدت الي البيت كنت اريد ان اذهب لأبي و اخبره اني رأيت جواد في الكلية و لكني ام ادرِ اسيذكره ام لا هو بالطبع يذكر مصطفى ، فمصطفى يحب ابي حقا و لقد زاره اكثر من مره في مرضه ،و لكن جواد لا اعلم ان كان مازال يذكره و حتى ان كان يذكره ماذا سأقول لأبي اقول له انني رأيت شخصا كنت قد رايته من قبل مره واحدة، تراجعت عن الفكرة و لكني على الاقل اصبحت اعرف اسمه جواد الراعي هكذا اسم لا يتشاركه الكثيرون ، قد استطيع ان اعرف مدى عبقريته تلك التي يتحدثون عنها .

مرت عدة ايام و قد عرفت ان جواد بالفعل مشهور في الكلية و كذلك فهو محبوب من الطلاب و الساتذة و لكنه ليس له اي نشاط طلابي فلم ينتمِ الى اتحاد الطلبة مثلا على الرغم من انه كان لينجح بسهولة او هذا ما قيل لي. و في احد الايام جائت مروة تقول لي " انه ليس عبقريا فقط و لكنه ثوري كذلك " نظرت لها كي تفسر ، قالت " جواد انسيته " كنت اريد ان اقل لها نني لم انسه منذ عشر سنوات و لكني قلت " و كيف هذا يا نشرة الأخبار" قالت بين ابتسامتها " انه ينظم مسيرة للتنديد بالاحتلال السرائيلي مساندة للإنتفاضة الثانيه يحث على المقاطعه و يقول ان الانتفاضة لن تخبو " في تلك اللحظة شعرت بفخر عميق تجاه جواد و لكني تمالكتُ نفسي و قلت لها " جيد و لكن لماذا تقولين لي هذا" قالت " لا ادري فقط احسست انك قد تهتمين لأخباره" و ذهبت مروه و تركتني و انا يدور بعقلي سؤال واحد هل هذا واضح الى هذا الحد !؟.

  مرت خمس سنوات حدثت بها احداث عديده بعضها جيد و بعضها سيئ ، و لكن من اجمل ما حدث في تلك السنوات كانت خطبة مروة و نستطيع ان نطلق على هذا الحدث يد القدر بكل ثقة ، مرض ابي مرضا شديدا و انا في السنه الثالثة و قد كنت في حالة يرثى لها و لم تتكرني مروة و كانت توصلني للمستشفى كل يوم ثم الى المنزل و في احدى المرات كان مصطفى يزور ابي في المستشفى و حينها رأى مروة معي و كانت تلك هي البداية ، يقولون ان الارواح تتلاقى هذا حقيقي فعلا فإن للأنفس ازواج و عندما تقابل كل نفس زوجها تعرفه يقينا يقينا، و كان تعليقي على هذا الحدث ان مصائب قوم عند قوم فوائد كنت اقولها دائما لمروة عندما نتذكر اول لقاء بينهم و الارتباك الذي كانا فيه فانا لم ار في حياتي مروه و مصطفى في هذا الارتباك فمروة مثل مصطفى من النوع المرح المقبل على الحياة بقوة ، و قد قلت لنفسي ان هذا المرض على الاقل لم يكن شرا خالصا . كان الاحتفال بخروج ابي هو حفلة الخطوبة كنت اتوقع ان ارى جواد في تلك الحفلة و لكنه لم بأتِ و لكني سمعت ابي يحادث مصطفى و يقول له " و لكن اين هو صديقك العبقري لا اذكر اسمه " قال مصطفى " يا ربي امازلت تذكر جواد " فرد ابي " بالطبع فهو الشخص الوحيد الذي لم استطع قراءته" فرد مصطفى بين ضحكاته " ان العبقري في بعثة خارج البلاد لم يستطع الحضور و لكنه بارك لي ، لم كنت اتمنى ان يكون هنا فجواد بمثابة الاخ لي"
و كذا مرت السنوات قد تقدم لخطبتي طبيب و محامي على ما اذكر و لكني لم اشعر ان ايهم هو النصف الآخر لروحي و كانت حجتي انني اريد ان انهي دراستي اولا او اعمل و اثبت كياني و اشياء من هذا القبيل ،و لقد تخصصت مدني و ليس ميكانيكا اذا كنت تتساءلون و عملت في عدة مشاريع بعد التخرج صغيره فمتوسطة و بعد سنتين من التخرج جائت فرصتي الكبرى حينما بدأت العمل في مشروع مصنع كنت قد قارب على اتمام عامي الخامس و العشرين و كانت امي تتحدث في موضوع الخطبة و الزواج بشكل مستمر و خاصة بعد زواج مروة و لكني كنت اهتم بمشروع المصنع ذلك و أوليه اعلى تركيز و اهتمام ، كانت تعمل معي في هذا المشروع احدى زميلاتي كانت معمارية تكبرني بعامين و من خلالها دخلت المشروع و عندما جائت مرحلة التنفيذ و كنت في الموقع قدمني مشرف المشروع مسؤول الميكانيكا في المشروع و قال " اقدم لكي جواد الراعي مسؤول الفرع الميكانيكي سوف تعملون سويا لإنجاز المشروع اتمنى لكما التوفيق"
يتبع :) 

2

عندما رأيت جواد لم ادر ما افعل حقا، و هل سيذكرني بالأساس ؛ لقد مرت قرابة السبع سنوات ، لعلها ثمانية و لقد رأيته مره واحدة و لم نتحدث حتى في تلك المرة الا اذا اعتبرت ان للعيون لغة، و لكن ماذا يفعل جواد في النادي انا لم اره هنا من قبل و هذا ما عرفته بعد ذلك، و في  حين انهماكي انا لبضع دقائق كان ابي يتحدث مع مدربي كما هي العادة و كان جواد و مصطفى يقفان مع المدرب حين سمعت مصطفى يقول لأبي " لا ياسيدي انه لا يلعب كرة السلة لقد جاء كمتفرج فجواد العبقري يكتفي بمشاهدة تلك الرياضات فرياضته من نوع مختلف، فهو يفهم في كرة السلة تماما كما افهم انا في الميكانيكا" و انطلق مصطفى يضحك؛مصطفى هو كابتن فريق النادي لكرة السلة و قد جاء الى مدربي ليتناقش معه في خطة الفريق للمبارة القادمة هذا ما بدا لي ، و لكن مصطفى يعرف جواد و هما صديقين على ما يبدو و لكني كنت ارى مصطفى كثيرا و لم ار جوادا من قبل هنا. 

"اذا انت في كلية الهندسة و لن اكون متحاذقا اذا قلت لك انك في قسم الميكانيكا " قالها ابي بلهجة مرحة، فأجابة جواد " نعم يا سيدي لقد انهيت السنة الثانية لتوي" و كانت تلك اول مرة اسمع فيها صوت جواد كنت واقفة كمن يسترق السمع فلم يرنِ جواد و كانت تدور في عقلي افكارٌ  كثيرة و لكن فكرة واحدة كانت طاغية و هي ماذا اذا رآني جواد و لم يعرفني او يذكرني و حتى اذا ذكرني انى لي ان اعرف ذلك و في تلك اللحظة، دخلت باقي المتدربات زميلاتي و احدثن ضجة و هن يسلمن علي تنبه لها ابي و مصطفى و جواد و ذلك حينما نظرت و رأيت عينا جواد تنطق بالدهشة، و لكنة سرعان ما عاد للحديث مع ابي و تجاهلني تماما و لم ادر حينها أرآني جواد و عرفني حقا ام ماذا .

 انقضت ساعة التدريب و أقلني ابي الى البيت قال ابي بطريقة مرحة" ما بالك صامته على غير العادة لا اسكت الله لك صوتا يا فتاه"
اخبرته انني بخير ولكن اليوم الاول للتدريب دوما يكون متعبا و لم يكن هذا ما يسكتني بطبيعة الحال و علمت ان ابي عرف هذا و لكنه تابع الحديث " ذلك الفتى مصطفى انا احبة حقا انه فتىً جيد و هو مرح حقا ، و لكن صديقه جواد هذا ، اتعرفينه؟؟!"انطلقت كلمة لا مني بطريقة انفعالية لم يفسرها ابي فسكت قليلا ثم قال لي "حسنا كنت اقول انه من اصحاب مصطفى المقربين فلعلك رأيته من قبل" سكتنا قليلا ثم قلت له " اذا ما رأيك في هذا صديق مصطفى جواد قلت اسمه ؟"  "بلى اسمة جواد اليس اسما جميلا، و لكني لم احدثه طويلا فلم تتسني لي قرائته جيدا و لكنه يبدو كتوما و هادئا نعم فتلك صفات العباقرة كما قال مصطفى" ،و انطلق ابي يتحدث عن مصطفى و تعليقاته الساخرة التي يطلقها دائما كان ابي يحب مصطفى فهو يذكرة بنفسه ايام الشباب كما كان يقول لي كثيرا.

و عندما عدت ليلتها لم ادر ما شعوري حقا و لكنني الآن اعلم ما كنت اريد، كنت اريد ان اراه ثانية و ادعه يراني كنت اريد ان احاول قرائته لعلي استطيع كما يفعل ابي و قد اعرف ايذكرني ام لا فتلك الدهشة التي رأيتها في عينية لم اجد لها تفسيرا فجزءٌ مني قال انه رآني و عرفني و لكنه ارتبك مثلي و جزءٌ اخر اكد لي انه لم يرني بالاساس بل كان ينظر تجاه الصوت كرد فعل طبيعي .

على كل حال فقد ذهبت في اليوم التالي الى النادي و لم يكن يوم تدريبي و لم ار جواد و ذهبت في اليوم الذي يليله و الذي يليله و الذي يليله و كنت دوما ارى مصطفى فقط حتى انني ذهبت لمباراة الفريق لعل جواد يأتي ليشاهد مصطفى و لكنني لم أره .

كذلك بدأت اقنع نفسي انني حقا لن اراه ثانية و لأنسى امره و تسألت لماذا انشغل بأمره بالأساس انا لاأعرف اسمه الثنائي حتى بل انا لا اعرفه على الاطلاق ، اعني قد يكون شخص سئ او فاشل... حسنا مستبعد ان يكون فاشل فهو في كلية الهندسه و  مصطفى يقول انه عبقري و لكن هذا لا ينفي انه قد يكون سئ  و لكن ابي قال انه هادئ... حسنا كذلك قررت ، لن اخوض في هذا انا لن اراه مره اخرى و حتى ان رأيته فهو شخص غريب كلية عني انا لا اعرفه لو رأيته فانا ارى كل يوم عشرات الغرباء في الطريق و هو ليس بمميز عنهم فلقد امضيت هذا الصيف بانتظار لقائه مره اخرى و في نهاية الصيف كنت قد حزمت امري و قررت ان انساه تماما.

و بدأ عامي الدراسي المرحلة الاولى من الثانوية العامة و انقضت تلك الفترة فترة الثانوية و لم تطرأ اشياء كثيرة على حياتي فقط تزوجت اختي و انجبت و مرض ابي عدة مرات و اصبح على ما يرام و لكنه لم يعد مثل الماضي فلم يعد يذهب معي الي التدريب الذي تركته اساسا بعد عامي الاول من الثانوية و لقد دخلت الجامعة، نعم دخلت كلية الهندسة و لا تقل لي الان انني كنت انتوي هذا فلقد كنت اريد الفنون الجميلة و لكن كدأب الاسر المصرية استكثرت امي مجموعي و قالت لي ان الهندسة بها رسم كذلك ، ثم ان مصر بها اكثر من كلية هندسة فاحتمال وجود جواد بالجامعة التي انا بها احتمال ضئيل و لكن لماذا نتحدث عن جواد اساسا الم اقل انني نسيته .

مر الفصل الدراسي الاول و لم ار جواد و نصف الفصل الثاني و لم اره كذلك مما جعلني اصدق انه ليس هنا  و في احد الايام كنت استقل الحافلة كعادتي الى الجامعة و الفت شخصا يجلس امامي و لم انظر، لم ادر حينها اخشية ان يكون هو جواد ام خشية الا يكون جواد و وصلت الى الكلية و حضرت محاضراتين و كانت تتبقى لي محاضره اخرى و بين المحاضرات و انا مع صديقاتي كما هي العادة سمعت من يقول " يا آنسة ، يآنسة "
ذلك الصوت ؟..............
 يتبع  

1

ليست قصتي هذه قصة اخرى من قصص الحب العذري او قصة عن ماذا فعل بي الحب الاول و ليست حتى قصة اخرى تنتهى ب و عاشوا سعداء الى الأبد و لكنها قصتي، قصتي انا التي قدتجمع بين كل هذا و قد تجدوها مختلفة عن كل هذا اسمى........، ايهم هذا في شئ، لا اعتقد انا الآن في السابعة و العشرين من عمري و بدون تريدون ان تعرفوا بدون ماذا فلتقرؤا اذن ..................

كنت في السابعة من عمري عندما سمعتها لأول مرة اغنية "انا قلبي دليلي" و كنت متيمة بجو الحفلات التنكرية ذاك و الرقص و لقد رأيته عالما ساحرا خلابا حينها كانت افكاري كلها تدور حول ما اجملها الحياة ، و الحب، الحب في عقل طفلة في السابعة من عمرها لا داعي لشرحة فهو شئ لا نقدر على تسميته و ان كان يظل في مؤخرة عقلك شئ لا تفسيرله موجود و انت تكبر عاما بعد عام و تظل تلك الفكرة الأولية عن الحب حاضرة تذكرك بما يجب ان يكون لا بما هو كائن، في تلك الفترة من عمري ذهبت مع امي و صديقتها في رحلة نيلية في باخرة لطالما احبت امي البواخر و مرورها في النيل و عشقت مشهد البرج من الباخرة فأمي من العصر الذهبي لثورة يوليو اوائل الستينات و ايام الوحدة مع سوريا كانت حينها طالبة جامعية نشطة و ذلك حين تعرفت الى أبي و بدأت بينهما علاقة الحب الأبدية التي لطالما تطلعت اليها و كنت اعتبر نفسي محظوظة اذا حظيت ب ٤٠ في المائة منها لا اذكر نقاش واحد محتدم بين ابي وامي لم ينتهي بعناق دافئ و قبلة أبي على جبين امي و هو يقول لها "لم تتغيري يا صغيرتي" و هكذا نشأتُ صغيرة لا اعرف ما هي الخيانة او ملل الحياة الزوجية فحب ابي و امي لم يقل بطول الملازمة و الصلة، و على الرغم من ذلك كان ابي وامي يحذروننيي من العلاقة بالجنس الآخر التي لا يجب ان تتعدى حدودا معينة، و في ذلك اليوم البعيد الذي يبدو لي مثل الأمس يوم الرحلة النيلية رأيته، كان يكبرني بحوالي ٤ اعوام و قد بدأت علامات الرجولة المبكرة تظر علية كنا نجلس على الطوالة المجاورة لطاولة عائلته، و كرسيّ قريب من كرسيه، و في لحظة المرور قبالة البرج دوت ليلى مراد تشدو انا قلبي دليلي كانت امي منهمكة في رؤية البرج واسترجاع ذكريات الثورة الذهبية و في لحظة لا تبرح مخيلتي مهما مرت الأيام التقت اعيننا، رأيت في عينية فرحة حقيقية بالأغنية ورغبة في لعب دور انور وجدي و من ستكون ليلى مراد غيري انا بالطبع، هكذا دار بخلدي و ابتسمت برغمي و ما كان منه الا ان ابتسم بدوره و عينيه تقولان لي لنرقص، و حينها تماما دوى اسمي و سمعته كأني في قاع بئر عميق فامسكت امي بيدي و هي تقول "الم تنظري الى البرج" بنغمة عتاب ممزوجة بالتوبيخ و لكني رددت بطريقة "الية بالطبع يا امي" و لم تكن هذه بكذبة في حد ذاتها فلقد رأيت البرج مئات المرات من قبل لماذا لا انتبه الآن الى ما لم ار من قبل *الحب* و حين التفت مره اخرى سمعت ابيه يقول "هيا يا جواد اوشكت الرحلة على الانتهاء لنلقي نظرة من على سطح الباخره" و كذلك قام جواد فعندما التفت اليه مره اخرى لم ارى عينية بل رأيت ظهره و لكنه التفت الي مره اخيرة قبل ان يخرج الى سطح الباخرة.

التفت لأمي مره اخرى والتي كانت قد انهمكت في الحديث مع صديقتها عن بناء البرج وامجاد ناصر و في غضب كنت اريد ان اقول لها لنخرج الى سطح الباخرة و لكي علمت انها سوف ترفض فآثرت السكوت. و حين انتهت الرحلة و خرجنا جميعا لم ارى جواد و كم كنت اريد. ظلت تلك العينين الاتي رأيت بهما معنى الحب تطارداني لفترة طويلة حقا و حين عدت للمنزل في ذالك اليوم كنت ادندن "حبوبي معايا من قبل ما اشوفه قلبي ده مرايا مرسوم فيها طيفة" و قلت لنفسي لن ارى جوادا مرة اخرى و لكني لن انسى تلك العينين ما حييت.

و مرت بي الأيام طوالا و قصارا لم اعد في السابعة و لكني لازلت احب انا قلبي دليلي كنت اغني في حفلات المدرسة و لكني لم اتجرأ مره و اطلب ان اغني تلك الأغنية كنت احس دوما انها خاصة. كنت في الخامسة عشر حينها عندما ذهب ابي معي اول يوم الى تمرين كرة السلة مثل كل صيف لكي يطمئن علي و يرى مدربي و المتمرنين و كلما سألت ابي " و انى لك ان تعرفهم من مرة واحدة يا ابي العزيز" و كان دوما يجيبني ب"الست تعلمين ان اباك خبيرا بالنفوس، يا بنية كم مرة سأقول لك لي نظرة في الناس و هي لا تخيب ابدا" و كنا نضحك دوما بعد هذا الحديث الذي لا يمله احدنا و حين دخلت الى الملعب صدمت بل فلتقولوا نزلت علي صاعقة من السماء حين رأيت تلك العينين التان اعرفهما جيدا انه هو، هو جواد ولا شك فلتنظر يا ابي الآن و لتقل لي ماذا ترى في جواد ..............

يتبع ;)