Saturday, August 4, 2012

7


"ما كل ما يتمنى المرء يدركه ... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"

كانت تلك ابيات قالها المتنبي و لكم صدق ، لطالما احببت الشعر و كان للمتنبي عندي مكانة خاصة و لكن الآن و بهذه الابيات أشك ان المتنبي يخاطبني بتلك القصيدة ، أغلقت ديوان المتنبي و قد ابتلت عيني بدموع لم اعد قادره على ذرفها من كان يدري ان تمر هذة سنه و لم تجمعني بجواد الا لمس الأيدي لقد كنا نجهز كل شئ لم يكن ينقصنا الا بلوغ موعد الزفاف ، لقد مرت تلك السنه ببطئ مرير و الامل مع مرور الايام يقل و يزوي حتى ينعدم و لكن ليس املي انا ، لأن ما انا به ليس أمل و لكنه الايمان ، الايمان بان القدر الي جمعني بجواد بهذا الشكل سيعيده الي مرة أخرى ، نعم يا جواد انا مؤمنه بانك ستعود الي و سنعيش الألف عام التي وعدتني بها ، انت لن تخلف وعدك أليس كذلك ، لكم اتمنى ان ارى عينيك الآن و أن اسمع صوتك و انت تؤكد لي اننا سنحيا ألف عام ، جواد تأكد انني لا ألومك و لكن أنت وعدتني و جيب ان تعود الي الان انت وعدتني انني لن احزن بعد الان ، يجب ان تنفذ وعدك يا حبيبي ، نعم انت حبيبي لقد كنت اخجل ان اقولها لك و لكني ها انا اقولها الآن و انت تفوت فرصة سماعاها اينما تكون يا جواد انت تحس بي اليس كذلك ، لن اقتنع بكلامهم انت تحس بي و لذلك انا احدثك و لن اتوقف عن محادثتك حتى أري عينيك التان تشعان ضوء الشمس و هي تنظر الي ، لا لن افقد ايماني بك ، اسمعهم يتهامسون انه قد مرت سنه و ان احتمال عودتك اصحبت ضئيله و لكنهم لا يجرأون على مواجهتي بهذا الحديث ، و لكني مازلت اسمع تلك الهمسات و هي تزيدني ايمانا بك من كان يصدق ان اتزوج الفتى الذي ظن يوما ان يكون أنور وجدي ، ذاك الفتى الذي قابلته صدفة في باخرة نيلية و و بعدها بسبع سنوات جمعنا القدر مره اخرى ، انت زوج روحي و روحينا التي تلاقت في عالم الذر لن تفترق ابد الدهر.
نظرت الى الساعه انها التاسعه صبحا لقد اوشك مصطفى و مروة على القدوم ليس من الجيد ان يروني و انا ابكي فقد يطنون اني فقد ايماني بك فانا لم اذرف دمعه واحده اما احد لأنك هنا معي يا جواد.

كانت صورة جواد و هو على الفراش و كل تلك الاجهزة الكئيبه موصله به تذكرني بأبي عندما كان في المستشفى آخر مره ، لم يكن هذا فقط هو ما يفزعني و لكن لأنه مرت على جواد سنه كامله اليوم و هو في الغيبوبة، هو فقط يبدو كأنه نائم ، مغمض العينين لولا تلك الاجهزة البغيضه الموصله به لحسبته نائما بالفعل ، و لكن جواد ، حبيبي جواد ، زوج روحي جواد تغير في تلك السنه لم اعد ارى عينيه التي اغتنيت بها عن الشمس ، وجهه النضر اصبح شاحبا و على الرغم من ذلك فان لمسة يديه لم تتغير احيانا اغفو و انا ممسكة بيديه واستيقظ و قد شعرت بضغطة يديه على يدي.
اذكر السنة الماضية يوما يوما بل و دقيقة دقيقة ، و اذكر الحادث ، الحادث الذي وضع جواد على هذا السرير في غيبوبة منذ عام.

جففت دموعي و غسلت وجهي ، و جلست انتظر مصطفى و مروة ، فهذا هو اليوم الذي يزوران جواد فيه كل اسبوع ، او كما بت اشعر يزوراني انا فيه ، كانوا يأتون من قبل يقولون لي ان جواد سوف يكون بخير و مع مرور العام قل تأكيدهم لي حتى انعدم تماما. و اصبحت زيارتهم تقتصر على هل انا بخير.

بعد ثلاث طرقات على باب غرفة جواد – او غرفتي انا و جواد حيث انني اصبحت اقيم هنا منذ ما يربو عن ستة اشهر الان-  رأيت مروه فتبعتها بهدوء الى خارج الغرفة، جلست انا ومروة و رويده في كافيتريا المستشفى ، رويده ابنة مروه ، اجمل طفلة يمكن ان تراها او هكذا أراها انا ، اخذت من مروة جمالها و عيونها السوداء الواسعه الجميله و اخذت من مصطفى طباعه المرحة  ، احب ان ارى رويدة كثيرا و ان العب معها ، آخر مرة كنت ازور فيها مروة و مصطفى انا و جواد قال لي اننا اذا رُزقنا ببنت فسوف يسميها بأسمي ، فقلت له مازحة اننا اذا رزقنا بولد فلن استطيع ان اسميه بأسمه ، قال لي انننا سنسميه محمود على اسم والدي ، جواد كان يعرف مقدار حبي لأبي و حينها تأثرت كثيرا ، فأخذ يدي بين يديه و قال لي ان الرجل لا يشترط ان ينجب ذكورا لكي يُخَلّد اسمه، كم افتقد منطقك الجميل الآن يا جواد و كم افتقد صوتك الدافئ و كلماتك لي.

"كيف حالك اليوم" قالتها مروة بطريقة تحاول ان تكون عادية و لكني اعرف انه منذ سنة لم يعد اي شئ عاديا ، "بخير و الحمدلله، كيف حالك انت و كيف مصطفى " ثم وجهت حديثي الى رويده "رويدة حبيبتي لقد كبرتي ،تعالي هنا يا حلوتي" تركت مروة رويده تركض نحوي تلك المسافة الصغيرة التي تبدو للطفلة كألف ميل ، و اكملت مروة "انا لا اريد ان اغضبك تعلمين ، و لكن الا تنظرين لنفسك في المرآه ، متى كانت آخر مرة عدتي فيها الى المنزل ، انا اكاد أق..." ،
 "مروة" قاطعتها و اكملت " انا انظر لنفسي في المرآه و لا ابدو كما تحاولين اخباري" قلت لنفسي ان شحوبي لا يقارن بشحوب جواد على أي حال، كما انني لا اشعر انني احتضر او اي شئ " و انا اذهب الى البيت كل يوم لأطمئن على امي و لكنني ابيت هنا ما الذي تحاولين اثباته" قلتها بعصبيه لا تخلو من اللوم ،
" انا لا اريد اغضابك كما قلت و لكن جواد في غيبوبهه منذ سنة و ..." ،"لا تقوليها يا مروة ليس انتي كذلك" اخبرتها و انا اقاطعها مره اخرى ، " انا آسفه حقا ، و لكني اهتم لأمرك لا تأخذي اهتمامي بمعنى آخر" قالتها مروة و هي تربت على كتفي، كانت نظرات رويده حائرة بيننا لا تفهم شيئا مما نقول و لكنها فقط فهمت انني بحاجه الى عناق ، فعانقتني ، الطفلة ذات السنتين تفهم ما احتاج عانقتها و سمعتها تتمتم بكلمات لم افسرها و لكن كان من ضمنها جواد و بخير و كان هذا يكفيني.
"انا اعلم انك لن تفقدي الامل و انا و مصطفى نتمنى ان يفيق جواد و لكنك لا تساعديه و انتي على هذا الحال أهذا ما يريده جواد ان تذبلي هكذا" قالتها مروة و حملت رويده مره اخرى، نظرت الى الجهة الاخرى و لم استطع ان امنع تلك الدمعه من الانفلات مني ما الذي تحاول مروة اخباري به ان جواد لا يسمعني هذا هراء بكل تأكيد "انا لن افقد الامل انه جواد يا مروة" قلتها من بين تنهداتي.

لم و لن استطيع ان افسر لمروة ما أشعر به بالطبع جواد اينما كان يشعر بي و يسمع صوتي حاولي اخبار يدي بان ما تشعر به باليل ليس ضغطه يد جواد، ظللنا في صمت حتى جاء مصطفى من غرفة جواد و سلم علي ، ثم اخذ مروة و رويدة و رحلوا على وعد بأن يأتوا الاسبوع القادم كانو في الاشهر الاولى يقولون انهم سوف يأتون المره القادمه و سيكون جواد قد افاق  و لكنهم فقط اصبحوا يقولون انهم سيأتوا الاسبوع القادم في نفس الموعد.

عدت الى غرفة جواد ، امسكت يديه و انا اذكر الحادث امسكت القلادة التي اهداني اياها يوم الباخرة بعد ان صعدنا الى سطحها في اليل كنا في شهر فبراير فلم يكن الجو باردا ولا حارا فقط كان جميلا بما تحمله الكلمة من معاني ، جميل و كفى، جميلا كما كانت تلك الليلة، اسعد ليالي حياتي اعطاني جواد اجمل قلادة يمكن ان ارتديها كانت من الذهب بسيطة و لكنها معبرة عنا ، عنا نحن فقط، كانت على شكل مركب بشراعين و قد كتب على ظهر احد الاشرعة اسمي و على الاخر اسمه و قال لي انه لم يكتب تاريخا لأن ارواحنا في عالم الذر ، بعد ان البسني اياها اخذ يدي بين يديه و لثمهما برقة، كنت اشعر انني امشي على مياة النيل في تلك اللحظة خالجني شعور مخيف بان هذا حلم لا يمكن ان يكون الواقع بهذه الروعة و لكني نظرت في عيني جواد و طردت هذا الشعور ، و لكن بعد خمسة اشهر تأكد لي ان الواقع لا يمكن ان يكون هذة الروعة.



تنهدت و ارجعت رأسي للوراء و انا اذكر الحادث الذي وضع جواد في هذا السرير موصلا بتلك الاجهزة الكئيبة و اجبرني ان اشاهد انسان احبه حبا جما مره اخرى في هذا الوضع، عندما احكي الحادث لأي شخص يرى انه حادث عادي لا يمكن ان يضع شخص ما في غيبوبه بالاساس ما بالك بكل تلك المدة.

بالطبع يبدو هذا اليوم مثل الامس بالنسبة الي اذكر كل تفاصيلة لقد كنا سويا ننهي شراء ما ينقص البيت ، بيتنا انا و جواد ، كان موعد الزفاف على بعد شهرين ، فقط شهرين ، قال لي ان هذا التاريخ هو نفس التاريخ الذي تقابلنا فيه منذ عشرون عاما في الباخرة و كنت اقول له انه بالطبع يمزح فانا لااذكر هذا التاريخ و ان كنت اذكر اننا كنا في الصيف، و لكنه برهن لي و جلب الي مفكرة صغيره مكتوب فيها اليوم قابلت اجمل بنت في حياتي و كانت هذه هي مفكرته عندما كان يبلغ من العمر الحادية عشر عاما، احتفظ جواد بتلك المفكرة طيلة هذة السنوات و قال لي انه ظل يحتفظ بجميع مفكراته منذ ذلك الحين فلقد كان اول عهده بالمفكرات منذ ان قابلني، لم نتوقف عن الضحك و نحن نقرأ تلك المفكرات تخيل ان تقرأ مذكرات طفل في الحادية او الثانية عشر. في تلك الفترة اخذني جواد و زورنا بعض اعمامه و عماته و اخواله ، كان جواد قد فقد أبويه في حادث عندما كان في السادسة عشر و لم اشأ ان اثير الموضوع فقط قلت لنفسي انه سيتحدث عندما تحين الفرصة.

على أي حال كنا في السيارة و مررنا على متجر ساعات اردت ان ابتاع ساعة هدية لجواد فقلت له ان يتوقف قليلا و لم نجد مكان لنركن السياره امام المتجر فنزلت انا و تركت جواد يركن السياره على ان يتبعني بعد ذلك ، تأخر جواد و كنت قد ابتعت الساعة و خرجت من المتجر فقط لأرى جواد يسقط مغشيا عليه بعد ان صدمته سياره و هو يعبر للمتجر ، تركت كل شئ من يدي و هرولت اليه لم تكن سوى بضع دقائق غاب فيهم جواد عن الوعي و لكني شعرت انهم بضع قرون ، كان الناس حولنا لم اسمع منهم احدا و لم اسمع السائق الذي ظل يقول انه بالكاد لمسه و عندما افاق جواد تنفس الجميع الصعداء و كاد ان يتوقف قلبي انا و لكن جواد امسك يدي بقوة و كأنه يقول انا بخير و انتِ كذلك، صعدت مع جواد السيارة بعد ان اعطاني احد العملين في متجر الساعات اغراضي التي تركتها، في طريق العوده اقسم لي جواد انه بخير هو فقط يشعر بصداع و لا شئ اخر و عندما اخبرته انه لابد ان يذهب الى المستشفى قال " و ماذا اقول لهم ! ، عندي صداع ، اميرتي انا بخير لا تقلقي" ، عندها اصررت على ان يأتي معي المنزل ليريح قبل ان يعود الى منزله، وافق جواد و عدنا الى منزلي ، بعد ان قصصت على امي ما حدث و اقسم لها جواد انه بخير فقط هذا الصداع قالت انها ستعد له عصير ليمون و ستجد له شيئا للصداع.

حينما ذهبت امي شعرت ان جواد ليس على ما يرام امسكت يديه و وجدتها بارده ، يدا جواد لم تكن باردة ابدا، نظرت اليه ووجدته يتصبب عرقا، "جواد" قلت و انا قلبي يكاد ان يتوقف خوفا، "انابخير، ف..فقط أشعر بالبرد" قالها جواد و هو يبتسم ، لم تكن هذه ابتسامة جواد ، ضممته الي و وضعت رأسه على رجلي ووضعت يدي على جبينه كان باردا مسحت بيدي على رأسه ، تخللت اصابعي شعره البني الجميل، لم ادر ما اقول او افعل ، عادت امي فنظرت اليها و تمتمت لها ان تطلب الاسعاف.

هكذا بدأت انفاس جواد تتباطأ و هو معي ، لم يعد يقوى على ان يبقي عينيه مفتوحتان ، حاولت ان ابقيه متيقظا و لكنه قال لي انه تَعِب و انه فقط سينام قليلا ، و آخر شئ سمعته منه ان قال لي "ليلى انا احبك ، احبك كثيرا" و اغمض عينيه و لم ارهما منذ سنه. ذهبنا الي المستشفى و سمعت الاطباء يذكرون نزيف في المخ و نزيف داخلي و غيبوبه و كلام كثير لم افهمه و لم ارد ان افهمه فقط كنت اريد ان اعرف متى سيعود جواد الي و لكني لم اعرف حتى الان و ان كنت اؤمن انه سيعود. لكم اشتاق اليك يا جواد انا ايضا احبك كثيرا، كثيرا جدا.
انا ليلى محمود العشري عندي 27 عاما قصتي لم تكن قصة اخرى من قصص الحب العذري او قصة عن ماذا فعل بي الحب الاول و ليست حتى قصة اخرى تنتهى ب و عاشوا سعداء الى الأبد تنتهي قصتي هنا و انا امام سرير جواد انتظره ان يفتح عينيه و يقول لي افتقدك يا اميرتي، الان هل انا ارى عينا جواد مفتوحتان....

النـــــــــهـــــــــــايــــــــه.أأأخرأخرى نعم أ